محاور هروب الاقتصاد الإيراني من فخ العقوبات الاقتصادية الأمريكية الجديدة/مقال بقلم الدكتور نبيل مهدي الجنابي
عودة


الجزء الاول :

محاور هروب الاقتصاد الإيراني من فخ العقوبات الاقتصادية الأمريكية الجديدة :

أ.د نبيل مهدي الجنابي

يمر الاقتصاد الإيراني بوضع صعب هو الأصعب منذ أكثر من خمسة وثلاثون عاماً يهدد استقرار ونمو الاقتصاد الإيراني الذي لم يلتقط أنفاسه بعد من العقوبات السابقة. حيث يعاني البلد منذ سنوات من اضطراب مالي وضعف في مناخ الاستثمار وتدهور حاد في المستوى المعيشي، ناجم عن الارتفاع المستمر في معدلات التضخم وكما كان متوقع، فان اسعار الصرف والمؤشرات المالية والمصرفية هي الضحية الاولى لقرار ترامب بإعادة العقوبات، حيث تجاوز سعر صرف الدولار قرابة 100000 ألف ريال، بينما كان قد وصل إلى 75000 في نهاية الشهر الماضي، و42890 في نهاية العام الماضي. ويتوقع ان ينهار الريال الإيراني بشكل أكثر حدة حالما تدخل الحزمة الثانية من العقوبات الامريكية حيز التنفيذ في شهر تشرين الثاني من هذا العام . وبموجب القانون الأميركي، فإنه يجب الانتظار (90-180) يوما لإعادة العقوبات مرة أخرى . وتهدد هذه العقوبات بإيقاف صادرات النفط الإيرانية التي تقارب 2.5 مليون برميل يوميا، وهي صدمة جديدة قد تؤثر على كافة القطاعات الاقتصادية وتكبح معدلات النمو وتزيد من الفوضى الاقتصادية في البلد، نظرا للدور الضخم الذي تؤديه الحكومة في حركة الاقتصاد الإيراني، وما قد يتسبب به انحسار إيرادات النفط من عجوزات مالية ضخمة تفضي حتما إلى انتهاج سياسات تقشفية جديدة تطال الإنفاق العام، وترفع من معدلات الضرائب والإيرادات غير النفطية الأخرى لتوفير التمويل البديل للمورد النفطي. كافة هذه السياسات من شأنها توليد حركة لولبية باتجاه الانكماش والركود الاقتصادي في إيران .

و على مستوى القطاع الخارجي، فان ميزان المدفوعات الإيراني سيتأثر بصدمة مزدوجة ناجمة عن انقطاع الإيرادات النفطية من جهة وتراجع معدلات التبادل التجاري بين إيران وعدد من دول المنطقة وأوروبا نتيجة العقوبات المتوقعة من جهة أخرى. وسيثير ذلك مشكلة شحه العملة الأجنبية من جديد وما لها من تداعيات على الاستقرار ألسعري لكافة القطاعات الاقتصادية في إيران.ولا يبدو أن هناك قاعاً لانحدار العملة الوطنية الإيرانية ( الريال) ، أذ بلغ سعر صرفه أمام الدولار مستويات تتجاوز العشرة آلاف لكل دولار، وتصاعدت معدلات التضخم بالتوازي إلى مستويات غير مسبوقة. سبب ذلك ضائقة اقتصادية لإيران،. وتجدر الإشارة أن إيران كانت في وضع مماثل إبان عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد؛ الذي عاد إلى تخصيب اليورانيوم عام 2005، فقامت واشنطن ومجلس الأمن بفرض عقوبات اقتصادية على إيران، تمثلت في القرارين 1737 و1747، ساعتها تهاوى الريال أمام الدولار ولكنه تعافي بعد الاتفاق النووي المشار إليه سابقا .وكانت إجراءات الحكومة والبنك المركزي الإيراني لمواجهة الازمة الاقتصادية الحالية على النحو الاتي:

- تقليص التجارة الخارجية بالعملة الأجنبية.

- إنشاء سعر رسمي للصرف.

- السماح لمستوردي السلع الحساسة، مثل المواد الطبية وبعض الأغذية، بالحصول على سعر صرف تفضيلي لجعلها مناسبة للمستوردين.

- البيع الآجل للنفط، مثلما حدث مع كوريا الجنوبية واليابان

- التعامل مع العالم الخارجي عبر بنوك غير إيرانية. ولعل حادثة رضا ضراب، المصرفي الإيراني، وتعاملاته مع «بنك خلق» التركي؛ التي تنظر فيها المحاكم الأميركية الآن، مثال واضح على ذلك .

ولم تكن تلك الإجراءات ناجعة في مواجهة العقوبات، واستنزفت الاحتياطي الإيراني من العملة الصعبة، الذي يشكل من الذهب أساساً، وسلة من العملات الأجنبية عدا الدولار. وطبقاً لبيانات صندوق النقد الدولي لعام 2017، تملك إيران احتياطيات نقدية إجمالية بالعملة الصعبة بحجم 120 مليار دولار، ولاحظ الصندوق أن هذه الاحتياطيات ليست موجودة في إيران فقط، لكن في بنوك أجنبية أيضاً ــ في تركيا كما أسلفنا. وعلى ذلك، فالموجود في حوزة إيران مباشرة يمكن ألا يتجاوز نصف هذا المبلغ، وهو مستوى خطر لقدرة هذه الاحتياطيات على تلبية الواردات الضرورية لمدة لا تتجاوز ستة شهور فقط.

والحقيقة أن الضربة الأميركية الأكبر لإيران ستكون في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل عندما تعيد الولايات المتحدة فرض العقوبات على صناعة النفط الإيرانية بما في ذلك معاقبة الشركات والدول التي تتعامل مع النفط الإيراني، الذي يمثل شريان الحياة لاقتصاد طهران.

وبالرغم من ثبات الخطوط العريضة للسياسة الاقتصادية الإيرانية في عهد أحمدي نجاد وروحاني ــ أقله حتى الآن ــ يكمن الفارق في الجانب الاقتصادي، ومرد ذلك أن ما فعله أحمدي نجاد في ظل ظروف إقليمية ودولية مغايرة له ثمن سياسي مختلف تماماً عن الثمن الذي سيدفعه حسن روحاني لقاء تلك الإجراءات الاقتصادية. ربح أحمدي نجاد شعبيته من مغازلة الطبقات الراديكالية الفقيرة بمواجهة «الشيطان الأكبر»، أما روحاني فأسند دعايته الانتخابية على التحسن الاقتصادي، بالتعاون مع الغرب، لرفع العقوبات.

هكذا هشمت سياسات ترامب سياسات روحاني وطموحاته وانحدرت بشعبيته، وآية ذلك التظاهرات التي تجتاح المدن والبلدات الإيرانية منذ نهاية العام الماضي.


الموقع الرسمي لعشيرة الجنابيين – جميع الحقوق محفوظة